شهد السودان، انتهاكات واسعة طالت النساء في المجال العام، وتنوعت في أشكالها، منها العنف السياسي، والذي ارتبط وتصاعد تاريخيا مع عاملين، الأول وجود حراك احتجاجي مدني ضد النظام، والثاني تصاعد المواجهات بين النظام والحركات المسلحة، وارتبط العنف سياسيا بأزمة النظام وضعف الدولة لا قوتها، واشتبك اجتماعيا وثقافيا بجملة من الأسباب في ظل سياق عام ينتهك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي المطالعة تناول لمفهوم العنف السياسي، وأبرز محطاته وأشكاله، مع تحليل لتعدد وتقاطع مرتكزاته وخصائصه، والذي يتجاوز ثنائية العنف المبني على النوع الاجتماعي، والموقف السياسي، إلى عنف مستند على التمييز الجهوي والعرقي والثقافى (الدينى) وتتخذ المطالعة حالات عنف مارستها السلطة فى فترات تاريخية ومناطق مختلفة، بما فيها مرحلة ما قبل ثورة ديسمبر وما تلى انقلاب 25 اكتوبر، نماذج للتحليل تحمل مؤشرات ودلائل، وتتقارب مع غيرها من حالات عنف شهدتها المنطقة العربية، خاصة تلك التى مرت بمرحلة حراك احتجاجي، واندلعت فيها ثورات وانتفاضات.

حول مفهوم العنف السياسي

يقصد بالعنف السياسي، كافة أشكال الإيذاء في الفضاء العام وخلال المشاركة السياسية، ويتضمن العنف النفسي والبدني، وكافة أشكال إساءة المعاملة بما فيها عنف اللغة والتحريض، والاحتجاز والاعتقال والاعتداء (أشكال التعذيب) وكافة صور التمييز في المجال السياسي المبنى على النوع والانتماء الجهوي والطبقي والثقافي والموقف السياسي، بما فيه الإقصاء والحرمان من المشاركة السياسية.

بنية العنف السياسي ضد النساء في السودان

رغم أن العنف مبنى على النوع، لكن ترتكز بنيته على الموقف السياسي والأيديولوجي وترتبط بالإقليم والجهة والعرق والثقافة، ويتجلى كلما غابت السياسة، وضعفت الدولة والنظام، وتجاور معها فشل أو إهمال في قبول وإدارة التنوع بشكل سلمى، وكلما افتقد النظام إلى الشرعية والقبول كانت درجة ممارسته للعنف مرشحة للتمدد، تصف حنه اّرنت السياسة بالتعايش بين مختلف الناس على ضوء المشترك بينهم داخل فوضى مطلقة للفروقات، وبموجب ذلك فإن العنف مضاد للسياسية، لأنه يستمد مرتكزاته من إخفاق في العيش في ظل التنوع وقبول الفروق.

والعنف في السودان ضد النساء خصوصا متبوع بالمقدس، ومبرر من خلاله، واستند على ما سمى بقوانين الشريعة لتمريره وتبريره أيضا، وطبق بالتشريع القانوني، خاصة ثلاثة القانون الجنائي، وقانون أمن الدولة والنظام العام، واتخذ العنف ومورس ضد النساء في مسارين، الأول المواجهة مع الحركات المسلحة (خاصة في ولايات دارفور) وثانيا التصدي لأي نشاط بالمراكز والحواضر السياسية، وشهدت المواجهة العسكرية أعمال مفزعة، صنفت جرائم حرب، وبررت بالحفاظ على الدولة والهوية، ومواجهة المتمردين، وفي المركز السياسي، كان قمع النساء تحت شعارات الحفاظ على الأخلاق وقيم الأسرة والنظام الاجتماعي سائدة، تجلد النساء وتسجن وتنتهك باتهامات منها ارتداء زي فاضح، أو الاجتماع بالرجال في الأسواق.

كما ارتبطت بنية العنف بمفاهيم الأنثروبولوجيا السياسية ومنها القرابة والانتماء الإقليمي، والتدرج والتراتبية الاجتماعية، وهدفت للحفاظ على تركيبة النظام السياسي، المغلقة والتقليدية، ومنع غير المنتمين له، للوصول والنشاط في الحيز السياسي، ويستمد العنف السياسي من عوامل عدة، منها تاريخ الدولة، وانتقالها من تكوينات قبلية إلى الدولة الحديثة، والتداخل بينها وبين البنى التقليدية، ومنذ الاستقلال ومرورا بسلسلة من الانقلابات العسكرية، ومع بداية مشكلة الجنوب في الخمسينيات، مثل السكان خارج المركز السياسي (الإقليم) عدو يراد ضبطه، وبالمقاربة مع إيفانز بريتشارد في دراسته لقبيلة النوير في السودان، شكلت مسألة معيار الإقليم والتنظيم المكاني إطارا للتنظيم السياسي، ومن خارج الإقليم، يعد تهديدا خارجيا، وهذا يفسر جزء من منطلقات العنف والحروب في السودان، والذي جعل معيار الانتماء الجهوي، وعامل القرابة الحقيقية أو المتخيلة، أساس للتمييز ومبررا لممارسة العدوانية، وقد أضاف نظام الإنقاذ بجانب التمييز النوعي ضد النساء تمييزا دينيا وثقافيا، فكان الأكثر عنفا ضد المرأة فى تاريخ السودان ما بعد الاستقلال، عبر ترسخ عوامل العنف على المستوى السياسى والثقافي والاجتماعي، بالإضافة إلى عنف اقتصادي تحملت النساء تباعته بشكل كبير وانعكست على مؤشرات العمل والفقر.

محطات ومراحل العنف

أما مراحل العنف فيمكن إجمالها في أربع مراحل أساسية، ازدادت فيها حدة العنف، الأولى ارتبطت بموجهات النظام مع الحركات المسلحة في الفترة من (2000-2006) والثانية تزامنت مع الانتفاضات والثورات العربية، والثالثة خلال انتفاضة سبتمبر 2013، أما الرابعة فقد بدأت مع ثورة ديسمبر 2018، وأبرز مشهدين فض اعتصام القيادة العامة، وجولات العنف بعد انقلاب 25 أكتوبر، الذي قادة البرهان، بتحالف اجتماعي وسياسي شمل رديف النظام وحركات مسلحة، وأعاد من خلاله إنتاج العنف مستندا على ثلاث عوامل رئيسية القوة العسكرية، والبنية التشريعية التسلطية، وضعف قوى الثورة، وقاصدا جملة من الأهداف أولا تثبيت سلطته وفرض شرعية التغلب بالقوة، ثانيا إضعاف قوى الثورة والانتقام منها وفي مقدمتهم النساء، ثالثا الحفاظ على مكاسب اقتصادية لقوى اجتماعية تقليدية، ومصالح اقتصادية لقطاعات رأسمالية وعسكرية، ويتقاطع ذلك مع تجارب الثورة المضادة في الوطن العربي فى ثلاثية أهدافها وتحالفاتها وتكتيكاتها، ودفعت النساء ثمن عودة الثورة المضادة للحكم، حيث كانت هدف لها، ومورست ضدها اشكال متنوعة من العنف المادي والرمزي، كالتحرش والاغتصاب والاحتجاز وتشويه السمعه.

العنف في ظل الصراع السياسي

وتم ظهر العنف بقوة خلال الصراعات السياسية، بما فيها الفترات الانتقالية بعد الانتفاضات والثورات، والسودان، أحد النماذج للعنف الذي تقوده القوات النظامية بجانب قوات الدعم السريع، وتشارك فيه أطراف السلطة، بتنوعها، وهناك عنف مورس خلال فترات الحراك، ومازال مستمر ومرتكز على التطورات السياسية الراهنة في ظل الصراع على السلطة، وإن كان العنف بشكل عام يعد أحد مؤشرات وسمات الأزمة الشاملة التي تمر بها المجتمعات، وتتشابك فيها الأسباب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، العنف لكنه يتفاقم مع غياب أطر وصيغ سلمية لإدارة الصراع الاجتماعي والسياسي والتنوع الثقافي.

شرعنة العنف

مثل العنف ظاهرة، سلوك متكرر ضمن تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان، وكثف نظام الإنقاذ، استخدامه مستهدفا النساء، وخلف ممارسات قهرية منها اعتداءات وتنكيل، مستندة على بنية تشريعية تقنن القهر، وتحارب مشاركة النساء سياسيا وتضبطهم اجتماعيا، مدعومة بسياق ديني محافظ، يجعل وجود المرأة مقتصر على المجال الخاص، واستكمل البشير ما قد بدا في عهد جعفر النميري، من تحالف الجيش مع الإسلامين، وما نتج عنه من تغيرات في بنية التشريع، ضمن أجندة إسلامية تجذب الإسلامين والصوفيين ضمن تحالف اجتماعي لمواجهة أزمات النظام، ومنها قوانين سبتمبر 1983، والتي فاجأ الجميع بيه بمن فيهم الإخوان المسلمين على حد تعبير روبرت كولينز (ترجمة مصطفى الجمال- ص 175) كان النميري يستعرض ورعه المستجد، يسكب زجاجات الخمر في النيل، وتطبيق الجلد وبتر الأطراف أمام الحشود، “يروى كولينز تلك المشاهد، ومنها أن الترابي الذي كان يشغل منصب المدعي العام سقط مغشيا عليه بعد مشاهدة أول عملية بتر، لكن الأمر سار بشكل اعتياديا بعد ذلك بل وكسب النميرى الذى لقب بالامام مؤيدن جدد، وظلت الجرائم على بشاعتها امرا اعتياديا وان كانت تخلق تراكمات من الغضب بجانب ازمات اخرى اقتصادية عجز عن تفكيكها وجنون البقاء فى السلطة وضريبتها من عنف، حسب صحف الخرطوم والتى اوردها كولينز صدر حكم ب19 الف جلدة فى شهر واحد، لذلك لم يكن مستغربا أن يستكمل البشير الطريق مع انقلابه فى العام 1989 ويستخدم ذات القوانين ويضيف اليها للتحكم السياسى والضبط الاجتماعي والمترابطتين فى سياق واحد، وقد استخدمت العقوبات البدنية فى السودان حسب كتابات تاريخية منذ حكم المهدية لتعزيز الاخلاق! وطبق الجلد تاريخيا فى السودان من الاستعمار البريطاني، واستخدمته الادارات الاهلية حسب تقرير للمرصد السوداني لحقوق الإنسان (لا للجلد – ص7)

مثل القانون الجنائى لعام 1991 سيف مسلط على الرقاب، واداة جلد للنساء فى الميادين، بموجب المادة 152 المتعلقة بالأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة، ويدخل فى اطارها كل من يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة، والذى اعتبر” البنطلون “واحد منه، وطبق على غير المسلمين فى اطار الترويج داخليا لنموذج الدولة التى تحكمها الشريعة، وخارجيا كانت تنفى الحكومة دائما أن القانون مخصص للنساء، او يستهدفهن، وكان اخر نفى لحكومة الخرطوم خلال استعراض والرد على ملاحظات لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة عام 2017، وضمن القانون أيضا عقوبات بتهم التحريض على الدولة، واثارة الشعور بالتذمر، والدعوة لمعارضة السلطة واثارة الكراهية بين الطوائف، ونشر الأخبار الكاذبة (تهمة رائجة للسجن فى مصر) والاخلال بالسلام العام، ومن فرض رهافة نظام البشير ادرج فى القانون عقوبة” اساءة معاملة الحيوان “وبينما يشرعن القانون ولأسباب واهية جلد النساء فى الشوارع، واستخدمت نصوص القانون بما فيها عقوبات الزى والإغواء وغيرها كأداوات للتنكيل، يروى خالد منصور وزير خارجية السودان سابقا، ان نظام البشير جلد نساء مسنات من خيرة نساء السودان، حين ذهبوا لمقابلة مسئول حقوقى اممي، وان كان الجلد شمل طالبات فى مدارس وجامعات وليس المنخرطات وحسب فى المجال العام وفضاء السياسة والحركة الحقوقية والنسوية.

وفرض قانون النظام العام الصادر بقرار 41 لعام 1996 تعقيدات تمثل حصار وأدوات قمع يسهل استخدامها لأبسط الأسباب، اشتملت تحديد أماكن تواجد النساء، وأوقات فتح المحال، وتنظيم صفوف منفصلة للرجال والنساء (المادة 20)، وتضمن القانون عقوبة الجلد للمخالفين (المادة 26) واستخدمت بشكل واسع ضد النساء خاصة عاملات السوق والمحال التجارية وبائعات الشاي والعاملات في مهن هامشية، وسهل تنفيذ العقوبات ما يمنحه القانون للشرطة من سلطات تقديرية، سمح بالانتهاكات، كما استخدمت ضد طالبات المدارس والجامعات، والغي بعد الثورة، نوفمبر 2019 ضمن قوانين أخرى ألغيت أو عدلت، لكن بعد الانقلاب تحاول قوات الشرطة ممارسته بشكل ضمني، لذا لم يكن مستغربا أن النساء، والمنظمات المهتمة بقضايا المرأة والنساء في المجال السياسي، جزء أساسيا لمقاومة نظام البشير.

مظاهر وأشكال العنف ضد النساء

أرض محروقة ونساء مغتصات

اتخذ العنف في السودان عدة أشكال، وارتكز على بنية تشريعية، أسهها انقلاب البشير 1989، بالإضافة إلى نمط حكم سلطوي، ذا بنية عسكرية بالأساس دعمت بالتحالف مع حزب المؤتمر الشعبي، ومع ميل للتمييز متنوع، شمل تميز ديني وجهوي ونوعي وعرقي وقبلي، ونال من الحقوق والحريات، فشرد ملايين الأشخاص في مناطق الحرب وأبعد عن الوظائف العامة المعارضين، وتشريعيا قنن العنف ضد النساء في سلسلة تشريعات استهدفت إحكام القبضة على المجتمع وضبطه اجتماعيا كطريق للضبط السياسي، واستخدام ضد سكان الهامش في الشرق والغرب والجنوب كأحد ادوات اثبات الهيمنة، وكمثال دال، شهدت مناطق الحرب فى دار فور فظائع صنفت جرائم حرب حسب لجنة التحقيق الدولية التى انشئت بموجب قرار مجلس الامن 1564، وتدل وقائع العنف فى الفترة (2002-2005) أنها ممنهجة، ومن بينها عمليات القتل والاغتصاب، والتى لفتت انظار العالم، حسب تقرير عدة، منها تقارير منظمة العفو الدولية (منعت من العمل فى السودان) كانت هجمات الجنجويد تعقب الغارات الجوية الحكومية وتتضمن عمليات سرقة واغتصاب، واشتمل تقرير العفو الدولية لعام 2004 على شهادات مفزعة، بينما افادت منظمة اطباء بلا حدود فى 2005 عن معالجة 500 امراة من اثار الاغتصاب، وتكرر الامر فى دار فور فى ديسمبر 2011 (ركزت على قبيلة الزغاوة حسب تقرير هيومن رايتس ووتش) وحسب العفو الدولية اغتصبت فى اكتوبر 2014 أكثر من 221 امراة فى قرية واحدة هى تابت، بينما فى الفترة من يناير ألى اغسطس 2016 اتخذت وقائع العنف اعتداء جماعي، واستخدمت الاسلحة الكيمائية فى 32 قرية في جبل مرة (يعد موطن تاريخى لقبائل الفور) وسجل هجوم اخر فى سبتمبر من نفس العام (تقرير ارض محروقة وهواء مسموم).

ولخصت منظمة العفو الدولية الوضع حينها بالقول “الأرض المحروقة والاغتصاب الجماعي والقتل والقنابل هذه هي نفس جرائم الحرب التي ارتكبت في دارفور في 2004 عندما استيقظ العالم على ما كان يحدث، دخلت المنطقة دوامة عنف ولم يتغير فيها شيء سوى أن العالم قد توقف عن مراقبتها” وشملت الانتهاكات “القتل غير المشروع للرجال والنساء والأطفال، واختطاف واغتصاب النساء، وتدمير قرى بأكملها” ومع انفجار مشكلة النزوح ومعسكرات اللجوء (تقدر الأمم المتحدة إجمالي عدد النازحين بالسودان ب9 مليون) أصبحت التهديد للنساء والأطفال أعلى، وارتفعت وتيرة العنف والانتهاكات مع فقدان حماية اجتماعية كانت نسبيا قائمة في محل الميلاد وسط محيط اجتماعي وعلاقات قرابية ومارست الجماعات المسلحة المعارضة العديد من الجرائم، لتكون النساء ضحية للعنف المتبادل على أساس قبلي في إطار الصراع على الموارد (تجددت بعض أحداثها بعد ثورة ديسمبر) وضحية للحرب من مليشيات مسلحة كانت تقاتل الحكومة وتقاتل بعضها في بعض الأوقات

دراسات حالة للعنف تقدم تفسيرات

هناك عدة وقائع اتخذت اهتمام واسع، لحالات انتهاك طالت النساء، منها واقعة تكرر اعتقال وتعذيب حواء عبد الله (حواء جنقو) والتي عملت ضمن فرقة الإغاثة الدولية “اليوناميد” في دار فور (حصلت على جائزة الخارجية الأمريكية أشجع نساء العالم في مارس 2012) بالإضافة الى واقعة الحكم على لبنى حسن بالجلد لارتدائها بنطال، وهى صحفية فى فريق الامم المتحدة، وبعد الحكم عليها بالجلد مع حالات أخري انتشرت تسجيلات العقوبة فيها، تأسست حركة لا لقهر النساء فى العام 2009 والتى تعرضت اعضائها لمضايقات عدة مازالت مستمرة، منها وقائع القبض المتكرر عليهن ومنها حالة اميرة عثمان والمتهمة بعد الانقلاب بحيازة سلاح.

في المظاهرات السودانية التي تلت الانتفاضات العربية، والتي بدأت في 30 يناير 2011، استخدم عنف مكثف ضد النساء وتضمن وقائع اعتقال وتحرش، وحالات اغتصاب، منها حالة صفية إسحاق، عضو حركة قرفنا والتي لاقت شهاداتها المصورة، حول الاعتداءات صدى واسع، روت ما جرى لها من انتهاك واغتصاب، سألها المحقق قبل واقعة الاغتصاب، إذ ما كانت مارست الجنس من قبل أم لا (كشف عذرية تمارسه أجهزة الأمن) وقد أحدثت الشهادة بعد هربها من السودان، حالة اهتمام إعلامي، وحركة تضامن واسعة شملت تظاهرات احتجاجية، وعلي إثرها سجنت نخب وناشطات نسويات من المتضامنيات معها، وكانت الواقعة، تشكل باب لكسر الصمت حول العنف الجنسي وانتهاكات السلطة فى المركز السياسى، خارج أقاليم الحرب، والتى غالبا لا يبلغ عنها، تجنبا للمزيد من الانتقام، أو محاولة لتجاوز الوصم الاجتماعي، وفى السياق كتبت سمر المرغينى شهادتها عن الانتهاكات التى لحقت بها خلال انتفاضة سبتمبر 2013 (وثقتها منظمة العفو الدولية فى تقرير عام 2014ص30) وبعد ثورة ديسمبر، ظهرت شهادات أخري حول العنف السياسى ضد النساء، وروت والدة سمر وقائع العنف ضد بنتها فى مؤتمر بثته قناة الجزيرة وهى تطالب بمقاومة نظام البشير الذى جعل النساء تكره، بينما قبض على دعاء طارق، حين سجلت شهادتها حول الانتهاكات التى طالت معتصمى القيادة العامة.

ومن بين حالات العنف الممنهج، التي طالت صحفيات، وناشطات، خلال 2012 القبض على جليلة كوكو، وهي معلمة أسست مدرسة للنازحين، واتهمت بالخيانة بعد نشرها فيديوهات عن فظائع الحرب في موطنها، جبال النوبة بكردفان، وبالإضافة لذلك تنتمي جليلة للحركة الشعبية شمال، كما تعرضت الصحفية سمية هندوسة للاعتداء والتعذيب في مايو من نفس العام (2012) خلال التحقيق قال الضابط لسمية بعد أن أجبروها على خلع حجابها، شعرك ليس من أولاد دار فور “أبائنا هجنوكى” ثم حلق شعرها، بينما حين كشف المحقق عن شعر صفية إسحاق، قال انتى كما الشيوعيات قصيري الشعر” وعادت عمليات قص شعر المحتجين في اعتصام القيادة العامة وبعد الانقلاب.

وفي يونيو ويوليو 2012 وحسب تقارير عديدة قبضت السلطات على 500 معتقلة تعرضن للتنكيل والإيذاء، وتدهورت أحوالهن الصحية، وربما كانت حركة الاحتجاج وَالنَّشَاط السياسي الذي تبلور بالتزامن مع الانتفاضات العربية عامل في تشديد القبضة على القيادات ذات الأثر، وبالتزامن مع تحالفات سياسية في الخرطوم، تم تركيز العنف على نساء دار فور خصوصا، أو من يشتبه في دعمهم سياسيا أو إنسانيا، خاصة بعد تشكل تحالفات بين قوى المعارضة المسلحة في المنطقة (الجبهة الثورية)

بؤر وخصائص المعنفات

تمثل الحالات السابقة وغيرها من حالات تم رصدها، نماذج تفسريه، يمكن من خلالها فهم تقاطع مكونات العنف ضد النساء وأنواعها، وهي تستند على ميراث استبدادي، متنوع الجذور، يتخذ من الضبط الاجتماعي أدوات للقهر السياسي، كما يوظف الدين لدعم السلطوية والعنف ضد النساء عبر تشريعات تضبط المجال العام، وتشكل استبعاد مقصود على أساس النوع، وتدعمه ثقافة الاستعلاء والتمييز، بينما تشمل أشكال العنف المبنى على النوع مرتكزات اخري منها الهوية الدينية والانتماء الجهوي والقبلي والايدلوجي، فى خليط ملفت، يعبر عن خصائص العنف ضد السودانيات، والذى يتمايز عن العنف السياسى فى دول الانتفاضات والثورات العربية.

يلحظ انتشار العنف بشكل مكثف جغرافيا في بؤرتين، الأولى مناطق الحرب والثانية المركز والحواضر السياسية، وفي مقدمة مناطق الحرب التي شهدت وقائع عنف ضد النساء صنفت كجرائم حرب، منطقتي دارفور غرب السودان، وكوردفان، وسط السودان، كانت دار فور (5 ولايات) مسرحا للجماعات والصراعات المسلحة منذ جعفر النميري، واشتبكت سياسيا مع النظام الليبي والتشادي، فضلا عن عنف خلفه الصراع على الموارد بين القبائل المختلفة، ضمت اقليم كردفان (ثلاث ولايات) وشهدت المنطقتين مواجهات بين نظام الإنقاذ والحركات المسلحة، وأنتجت عنفا مكثفا بجانب صراعات قبلية كانت النساء ضحايا لها، وصلت وقائع العنف لحدود الأسر والاغتصاب والعبودية، اما البؤرة الثانية تتمثل في المراكز السياسية النشطة وفي قلبها الخرطوم، وتركز العنف فيها على النساء المنخرطات في الحركة السياسية وحركة حقوق الإنسان ومنها الحركات النسوية، خاصة وأن كانت لهن جذور أو صلات بمناطق الحرب أو عضوات في أحزاب وحركات سياسية معارضة أو صحفيات، ومثال على ذلك ما تعرضت له نساء وشابات في حركة قرفنا أو حزب الامة والحزب الشيوعي، بالاضافة الى عنف متعدد الابعاد فى صيغه التميزية، الطبقية والثقافية والقبلية، استهدف النساء وتركز فى الاسواق والانشطة الاقتصادية، خاصة المشتغلات فى أعمال هامشية كما ستات الشاى، ونسبة منهن من النازحات، هربوا من الحرب للبحث عن عمل ومساحة اّمنه، بعيدا عن المواجهات العسكرية، فواجهتم شرطة النظام العام.

تظهر في وقائع العنف ضد النساء، تقاطع ما بين النسق السياسي والقرابة والانتماء إلى إقليم محدد، وهي القضية التي شغلت علماء الأنثروبولوجيا، وكانت السودان، أحد الحقول الهامة لدراسة النظم السياسة الأفريقية، ومدى تأثير علاقات القرابة والإطار المكاني (الإقليم) على النسق والخطاب السياسي، وفيما سبق علاقة العنف بتلك المعطيات، وهو ما يمكن ملاحظته من خطاب المحققين مع النساء أو بعض خطابات السلطة التي تتصف بالتميز والعنف والتمييز على أساس الإقليم والقرابة والثقافة والنوع كإطار لممارسة العنف السياسي في السودان وربما مناطق  في القارى الافريقية.

وتشترك حوادث العنف ضد النساء عموما في الوطن العربي، من حيث أشكالها وأهدافها ومضامينها، لكن مرتكزات العنف سودانيا تتسم بتعدد المصادر، ولا تقتصر على العنف المبني على أساس المرتكزين السائدين عربيا، النوع والموقف السياسي، فالعنف ضد النساء سودانيا، يجسد في خليط من مواقف ثقافية ودينية، وتوظيف لأدوات الضبط الاجتماعي والتمايز الجهوي والقبلي أحيانا، ويجمع ما بين ما هو نفسي وبدني وجنسي وقبلي وثقافي في إطار واحد.

كما يوظف العنف السياسي ضد النساء كأداة للضغط الاجتماعي على أسر المعنفات والمحيط الاجتماعي من الأقارب والمنطقة والإقليم وإخافتهم من الحركة في الفضاء العام وتعطيل مقاومتهم للنظام، لا تعاني النساء وحسب من الصدمات النفسية للاعتقال والجلد والعنف الجسدي والجنسي، لكن تعاني اجتماعيا عبر الوصم الاجتماعي، ويستخدم العنف أيضا للضغط على البعض ولضبط التعبير السياسي لدي النخب، حدث ذلك كثيرا وفي نظم متعددة، يمكن أن نورد حالة القبض على بنات الصادق المهدي (مريم ورباح وزينب) في يونيو 2014 كمثال أو تهديد لذوي الناشطين سياسيا وخاصة من النساء، ولا تكتفى السلطة السودانية بارتكاب العنف بل تهدد (الناجيات) في أحيان كثيرة من معاقبتهن قانونيا باستخدام آليات التشريع، واتهامهم بالدعارة إذ ما تحدثوا أو تقدموا ببلاغات، ولم يخلوا الخطاب الرسمي من العنف، وقف البشير يتحدث في أحد خطاباته عن حالة جلد لاحدى النساء اتخذت مساحة من التعاطف الشعبي، متهمها بالزني، وكان يتم تطبيق حد الرجم على المغتصبة اذ تقدمت ببلاغ، ولم تتمكن من اثبات ادعائها، وهو ما يعنى أن من تتعرض للعنف الجنسى من قبل أجهزة الامن ربما ستكون ضحية مرتين!

محطات العنف من انتفاضة سبتمبر إلى انقلاب 25 اكتوبر

انتفاضة سبتمبر 2013

شهد العام 2013 انتهاكات واسعة ضد النساء، خاصة مع انتفاضة سبتمبر، والتى بدأت بالاحتجاجات ضد رفع الاسعار، كما ثورة ديسمبر2018، وكلاهما كانت مشاركة النساء والطالبات واسعة وملفته بل واحيانا مبادرة، خاصة فى الجامعات والمدارس الثانوية والأسواق، وكانت العاملات واللتى تجرعن صنوف المعاناة حاضرين فى الاحتجاج، ترى عاملة فى السوق تخطب بحماس وتمتلك قدرات خطابية وبرهان وقدرة على التحريض ربما افضل من تربي فى صفوف حزبية، والتقت مع صفوف المحتجين، ولعبت دورا مهما قيادات حزبية نسوية، وكان رد فعل النظام يتسم بالعنف والفوضى، تقول منظمة العفو الدولى “اتسم رد الحكومة بالاستخدام المفرط للقوة والاحتجاز التعسفي والتعذيب وصنوف المعاملة السيئة، قتل ما لا يقل عن 185 شخصاً” بينما هناك تقارير حول تجاوز الشهداء 300 ما بينهم نساء، وجاءت الانتفاضة بعد انفصال الجنوب، فى ظل ظروف اقتصادية قاسية، وتجدد الصراع المسلح فى دار فور وكردفان، وما نتج عنه من تهجير واسع فى شمال وجنوب كردفان (خاصة جبال النوبة وأبيي) وخلال الانتفاضة، القى القبض على مئات من النساء، وسجلت حالات قتل واغتصاب، واستهدفت قيادات نسائية بطرق اخري، على سبيل المثال، القي القبض على أميرة عثمان (مجموعة لا لقهر النساء) بموجب قانون النظام العام، واتهمت بارتداء ملابس فاضحة وحوادث اخري بنفس الكيفية وظفت فيها البنية التشريعية.

العنف خلال ثورة ديسمبر

بدا العام 2018 بمظاهرات يناير، والتي اعتقلت على خلفيتها 60 مدافعة عن حقوق الإنسان، أفرج عنهن في 8 مارس 2019، حسب تقرير لتحالف المدافعات، تعرضن المعتقلات للتعذيب وأشكال متنوعة من العنف، هددت حسب تقرير التحالف “ويني عمر بعقوبة الإعدام بعد أن اتهمتها الشرطة ب“ بإدارة بيت للدعارة ”بينما كانت مع زملائها في اجتماع عمل. وحُولت إلى المحاكمة، ولفقت لها تهمة التخابر والتجسس” وخلال احتجاجات ديسمبر اعتقلت قيادات نسائية حزبية منهن مريم صادق المهدي (وزيرة الخارجية فيما بعد) وسارة نقد من حزب الأمة، وأسماء محمود طه من الحزب الجمهوري، مع مئات من المشاركات في الاحتجاج من الحزب الشيوعي والحركات الشبابية والطلابية والنسوية.

مجزرة القيادة العامة حرب الجيش من أجل تشارك السلطة

يعد فض اعتصام القيادة العامة، 3 يونيو، أحد المحطات الرئيسية الأكثر عنفا ودموية ضد النساء، واشتركت في الفض قوات الشرطة والجيش والدعم السريع حسب بيان رسمي للجيش، وخلف حسب تقارير لجنة أطباء السودان 118 شخص وجرح 700 وسجلت 70 حالة اغتصاب للنساء، غير حالات اغتصاب للرجال (غالبا لا يبلغ عنها ولا توثق معظمها). وتضمنت تسجيلات فض الاعتصام، وشهادات للناجين، أعمال عنف لفظي وبدني، غير شهادات حول الاغتصاب والتحرش، كان يظهر الجنود وهم يعتدون على النساء ويجبرهن على الهتاف بشعار عسكرية كبيدل لشعار مدنية، كما ظهرت عمليات قص لشعر المتظاهرين وصحفيين وهي ممارسة كانت سائدة قديما بغرض الإذلال والقهر، وأستخدم خلال فض الاعتصام، كما تم الكشف عن إلقاء بعض الضحايا في نهر النيل بغرض إخفائهم، وضمنهن فتيات ونساء تعرضن بعضهن للاغتصاب حسب شهادة ناهد جبر الله، طفت الجثث بعدها بأيام، وحسب منظمات وشهادات عدة، تعد هذه الواقعة الأولى من العنف متعدد الأشكال، ضد متظاهرات بهذه الكيفية، ولم تكتفى قوات الأمن بذلك، بل طاردت بعض المحتجين الذين يتلقون العلاج داخل المستشفيات، وتعرضت المشاركات في الاعتصام للتهديد بالاغتصاب في حال رفضوا أوامر قوات الدعم السريع خلال الفض، وفي شهادتها قالت سليمة شريف، رئيسة مركز الأحفاد للإرشاد وعلاج الصدمة النفسية، بأن المركز عالج ١٥ امرأة تعرضت للاغتصاب، وذكرت أن العديد من النساء اللاتي تعرضن للضرب على أعضائهن التناسلية “واحتجز الإف المحتجين بينهم نساء، باعتراف المجلس العسكري، الذي سبق الفض باجتماع موسع للأجهزة الأمنية والعدلية، حسب بيان رسمى نشر يوم 13 يونيو.

لم تهزم الثورة حينها، ونفذ الشعب السوداني عصيان مدني شامل، بالغ القوة، بينما كان العنف كتكتيك لإجبار المحتجين وقوى الثورة القبول بمشاركة المكون العسكري في الحكم، وبعد إعلان الوثيقة الدستورية، خفت وتيرة العنف مع الحكومة المدنية وألغت بعض القوانين التي كانت تستهدف النساء، لكن ظهرت أنواع أخرى من العنف، حسب شهادات تضمنتها دراسة حديثة لمنظمة الأمم المتحدة، كانت ترفض الشرطة التدخل في حالات التحرش في الشوارع، وترد على المبلغات “هذا هو الحكم المدني الذي تريدون”(أصوات من السودان- ص28) وخلال فترة حكومة حمدوك اندلعت أعمال عنف طالت النساء في دارفور وكردفان وشرق السودان، ومع ضعف قوى الثورة، رأى تحالف يقوده الجيش، تكون من رديف نظام البشير وحركات مسلحة وقوى تقليدية إمكانية اختطاف السلطة فكان انقلاب أكتوبر والذي فتح مجال مرة أخرى للعنف الشامل طال النساء.

العنف بعد انقلاب أكتوبر

تصاعدت وتيرة العنف ضد النساء بعد الانقلاب، والذي أعاد استخدام البنية التشريعية التسلطية وفرض حالة الطوارئ، وفعل سلطات أجهزة الأمن والمخابرات في القبض والتحقيق والتفتيش بموجب قانون الأمن الوطني الصادر في ديسمبر 2009، ورغم ذلك، واجه المحتجين وبمشاركة نسائية كبيرة الانقلاب خلال أربع أشهر مضت، منذ أن أعلنت قوى الثورة، التعبئة العامة، واستمرار الفاعليات.

مورس العنف ضد النساء كأحد استراتيجيات السلطة، وتعبير على ضعف أجهزتها لا قوتها، وارتباك أمام رفض قطاعات واسعة له، وفي مقدمتهم النساء، كان العنف وما يزال أحد أدوات فرض الواقع أمام افتقاد الشرعية، القوة المتغلبة كحل أمام الرفض القائم أو المحتمل حدوثه، حسب التحالف الإقليمي للمدافعات عن حقوق الإنسان، شهدت الفترة من نوفمبر 2021 وحتى يناير 2022، أربع وقائع عنف بارزة، شملت فض اعتصام المعلمات يوم 8 نوفمبر، وحالات إجهاض وكسور في صفوف المحتجين في اليوم التالي، واعتداء وحشي جنسي يوم 20 ديسمبر، وحوادث قبض واعتداء يوميا 30 ديسمبر و22 يناير.

وشهدت مظاهرة 19 ديسمبر 2021وقائع عنف جنسي، رصدت 13حالة، ووثقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل (جهة رسمية تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية) تسع حالات أحدهن لطفلة في العاشرة، بينما هناك تقارير حول قوع عشرات الانتهاكات جرت في محيط القصر الرئاسي، وأعلنت لجان الأحياء تعرض عشرات الفتيات للتحرش والاعتداءات الجسدية، والجنسية أثناء اعتقالهن، وكذلك في أقسام الشرطة، ومراكز الاحتجاز، بينما أعلنت لجنة الأطباء قُتل اثنان وأصيب أكثر من 300 شخص بجروح الأحد 19 ديسمبر 2021.

وكرد فعل على وقائع انتهاك الأحد، خرجت عدة مظاهرات بدعوة من منظمات نسوية وأحزاب سياسية لاسيما مكاتب المرأة والشباب، ولجان المقاومة، تندد بالانتهاكات وتؤكد استمرار الفاعليات الرافضة للانقلاب، وشهدت مشاركة واسعة من النساء والرجال وأمهات وآباء الشهداء، كما نظمت مظاهرات ووفود ورسائل احتجاجية عند مقر الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة، بجانب مظاهرات في مناطق منها كسلا وكوستى وكادقلي ودمزين وأعلنت هيئة محامي دارفور عن تلقيها 30 بلاغ حول حوادث شملت الاغتصاب والاعتقال والاعتداء بعد موكب 25 ديسمبر2021 بينها (13) حالة اغتصاب مؤكدة، ولم تقتصر الانتهاكات على العاصمة، حيث شهدت عدة ولايات حوادث مشابهة، خلال حملات قبض واحتجاز، ومنها ما كان يتم قبيل الفاعليات الاحتجاجية، بهدف إضعافها، والتي وصلت إلى 30 مظاهرة (مليونية)، منها مظاهرات 8 مارس الماضي، والتي تعد من المظاهرات النسوية الأكبر في الوطن العربي، رغم ما واجهها من تحديات منها تهديدات وعنف القوى الأمنية.

سمات العنف ضد السودانيات

إجمالا يمكن القول إن للعنف السياسي ضد السودانيات وعلي مدار تاريخي وخاصة في الفترة من 2011 وحتى انقلاب 25 أكتوبر له سمات تميزه عن العنف السياسي في اتون الثورات العربية وإن كان هناك مشتركات لا يمكن نفيها، ومن تلك الخصائص والسمات.

أولا: إن العنف كان معادل للهيمنة السياسية وليس قائم وحسب على النوع الاجتماعي أو ترجمة للعامل البيولوجي، ولم يقتصر على الموقف السياسي وإن كان يرتبط به، فهو يتخذ من من كافة أشكال التميز ومنها القبلي والجهوي والديني مصادر مغذية له ومرتكزات لممارسته.

ثانيا: العنف السياسي ضد النساء ذا طابع مؤسسي، مارسته الأجهزة الرسمية النظامية الجيش والشرطة والأمن الشعبي وقوات الدعم السريع ومرتزقة استعان بهم النظام، كما مارسته الحركات المسلحة وكان قائما في ظل الصراعات القبلية وكانت النساء والأطفال ضحايا له بشكل دائم.

ثالثا: ارتبط العنف بعنصر الفاعلية ووجود النساء سواء في المجال الاجتماعي، أو الاقتصادي أو السياسي، ويظهر ذلك من فض الاحتفالات الاجتماعية أو مطاردة النساء في الأسواق غير ملاحقة النساء في الأنشطة السياسية والحقوقية.

رابعا: يمثل العنف السياسي أحد آليات الاستبعاد والتهميش ويتضمن عمليات التشويه والاغتيال المعنوي وينال السمعة ويتضمن عنف في الخطاب بجانب العنف المادي، ويرتكز على جملة من الأسباب.

خامسا: تتصف أسباب العنف بعنصر التكاملية والتساند بين السياقات السياسية والاقتصادية، فكلما كان النظام في أزمة ويفتقر للشرعية تزداد فرص العنف ضد النساء باسم الدور والوظيفة والتقسيم التقليدي للعمل والدور الاجتماعي داخل المجتمع، واعتبار أن المجال العام بما فيه النشاط السياسي والاقتصادي مقصور على رجال ضمن تحالفات السلطة، وهو ما يدل على تدني نظرة النظم السياسية بما فيها الثورات المضادة للنساء مهما ادعت غير ذلك، فهي لا تقبل النساء غير في دور المؤيدين لها والخاضعين للتراتبية الاجتماعية والسياسية.

سادسا:  يرتكز العنف السياسي فى السودان على ميراث ثقيل له جذور تاريخية، وتستند على بنية تشريعية ونظم حكم  سلطوية، تستند على تقاليد محافظة، وكل ذلك يشكل قاعدة للاستبداد والعنف ضد النساء، والثورة بحكم رغبتها في خلق نظام جديد وإقرار الديمقراطية، والصراع السلمي للتنوع والاختلاف، تشكل تهديد لقوى اجتماعية تتغاضى عن مظاهر العنف وأحيانا تبرره.